تحميل كتاب المجتمع المدني والنخبة السياسية إقصاء أم تكامل لـ حسن قرنفل pdf
تحميل كتاب حسن قرنفل : المجتمع المدني والنخبة السياسية إقصاء أم تكامل ؟
لا ينكر أي متتبع للمجتع المغربي منذ بداية الثمانينات إلى الآن أن هذا الأخير قد شهد جملة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية. فعلى المستوى الاقتصادي مثلا، تم ترسيخ التوجه الليبرالي للاقتصاد المغربي، صحيح إن المغرب قد اختار هذا التوجه منذ إحرازه على الاستقلال ، على خلاف معظم الدول حديثة العهد بالاستقلال ، إلا أن هذا التوجه الليبرالي ظل مرفوقا بتدخل كبير للدولة، سواء عن طريق تنظيم النشاط الاقتصادي وتوجيهه، أو عن طريق الاستثمار العمومي في شتى القطاعات الاقتصادية الشيء الذي كان يجعل من الاقتصاد المغربي اقتصادا مزدوجا يتعايش فيه القطاع العمومي مع القطاع الخاص. وقد حرصت السلطة السياسية خلال هذه الفترة على تقوية الرأسمال الخاص الوطني، والحدث في هذا الإطار عدة إجراءات لعل أهمها هو قرار مغربة الاقتصاد الوطني سنة 1973 ، حيث أصبح يمنع على كل شركة خاصة عاملة في المغرب أن يتجاوز الرأسمال الأجنبي فيها نسبة النصف . وبذلك فتح الباب على مصراعيه أمام الرأسمال الوطني الخاص للاستثمار في كل القطاعات الاقتصادية في المغرب، وتمكن بذلك من اكتساب اخيرة كبيرة في مجال الأعمال، ومن جمع ثروات ضخمة.
ولم تمض عشر سنوات كاملة على قرار المغربة ذي التوجه الوطني، حتى تم التراجع عنه بصفة نهائية، في إطار الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي أوصت بها المؤسسات المالية العالمية. وقد جاء على رأس هذه التوصيات رفع كل العراقيل أمام الرساميل الأجنبية وتشجيعها على الاستثمار من جديد في المغرب باعتماد قانون استثمارات يضمن حقوق المستثمرين الأجانب، كما أوصى البنك الدولي بضرورة تخلى الدولة عن أنشطتها الاقتصادية، واستجابة لهذه التوصيات انطلقت عملية الخوصصة التي تهدف إلى انتقال الشركات العمومية إلى الرأسمال الخاص أجنبيا كان أو وطنيا ويمكن القول بدون جدال بأن سياسة الخوصصة هذه كانت نقطة انطلاق مجموعة من التحولات على الصعيد الاجتماعي والسياسي والثقافي.
إن مساهمة الدولة في القطاع الاقتصادي بواسطة الشركات العمومية كان يقوي من دورها داخل كل صراع اجتماعي أو سياسي. ذلك أن الموارد المالية التي كانت توفرها هذه الشركات رغم ما أصبح يردد في الأخير عن إفلاسها وعجزها المالي - كانت تمكن السلطة السياسية من التدخل بكل فعالية في كل الصراعات الاجتماعية. فقد كانت الدولة هي المشغل الأول في البلاد وهو الأمر الذي كان يمكنها من اتباع سياسة أجور ملائمة للظرفية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية دون اعتراض كبير من القطاع الخاص الذي كان يضطر إلى مسايرة الدولة في هذا المجال. كما أن إشراف الدولة على عدد كبير من الشركات العامة كان يمكنها من إيجاد وتوفير وضعيات اجتماعية مناسبة لجل أعضاء النخبة السياسية الذين كانوا يعتمدون اعتمادا شبه كلي على مصادر الدولة المالية من أجل الحفاظ على مظاهرهم الاجتماعية ومن أجل الاستمرار في رعاية زبنائهم.
وبتخلي الدولة عن التدخل في المجال الاقتصادي ونقص مواردها المالية ومناصب الشغل التي تراقبها، تراجع دورها كدولة - عناية Etat-Providence تاركة المواطنين يواجهون مصيرهم عزلا.
إن الطبيعة تقاوم الفراغ كما كان يقول أرسطو فأمام تخلي الدولة عن أدوارها أصبح من الضروري على المواطنين أن يفكروا في خلق أجهزة ومؤسسات تحميهم وتضمن حقوقهم سواء في مواجهة وشغليهم أو في مواجهة شركات الإنتاج والتوزيع، أو في مواجهة السلطة ورجالها أو في مواجهة بعضهم البعض وهنا أصبحت تظهر إلى الوجود عدة جمعيات مستقلة عن أجهزة الدولة تهتم بحماية المواطنين في شتى مجالات الحياة، وهوما اصطلح على تسميته بالمجتمع المدني.
غير أن ظهور مؤسسات المجتمع المدني قد اصطدم في البداية بمقاومة أجهزة السلطة. فقد اعتادت هذه الأخيرة أن تسهر علي مراقبة المواطنين ، وكل رغبة، مهما كان مصدرها، في الحد من هذه الرقابة أو حتى تقنينها لابد أن تلاقي معارضة شديدة من طرف المسؤولين. لذا فإن البدايات الأولى لبزوغ مؤسسات المجتمع المدني قد عرفت عدة اصطدامات ومقاومات. وقد انتهت السلطة السياسية أمام قوة المجتمع المدني المتزايدة ، والتعاطف الكبير الذي أصبحت تحظى به مؤسساته إلى اعتماد ستراتيجية جديدة تقوم أساسا على السماح للمجتمع المدني بالتعبير عن نفسه، ولكن ضمن حدود وشروط حرصت الدولة على رسمها وتسطيرها بدقة ومن ثمة فإن العلاقات بين جهاز الدولة ومؤسسات المجتمع المدني تعبد إلى الأذهان في أكثر من مناسبة، العلاقات التي كانت سائدة وما تزال بين النخبة السياسية والسلطة.